سورة الإسراء - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


سبحانه الله: تنزيها له عن كل ما لا يليق بجلاله. أسرى: سار ليلا. المسجد الحرام: مسجد مكة. المسجد الاقصى: الحرم في بيت المقدس، وهو اقصى، أي بعيد بالنظر إلى الحجاز.
تنزيها لله الذي اسرى بعبده محمد في جزء من الليل، ومن المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الاقصى ببيت المقدس، ذلك المسج الذي جعلنا البركة فيه وحوله لسكّانه في معايهشم وقواهم، لنُري عبدنا محمدا من أدلتنا ما فيه البرهان الكافي والدليل الساطع على وحدانيتنا وعظم قدرنا. ان الله الذي اسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة، البصير بما يفعلون.
حادث الاسراء:
كان حادث الاسراء في ليلة 27 من رجب قبل الهجرة بسنة واحدة، وقد حصل الاسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى بالجسد والروح فعلا، ولوم كان الاسراء بالروح فقط لما كان في ذلك شيء من العجب، ولما قامت ضجة قريش، وبادروا إلى تكذيبه.
فالرواية تقول ان الرسول الكريم كان نائما في بيت انبه عمه ام هانئ، فأُسري به ورجع من ليته وقص القصة على ام هانئ، ثم قام ليخرج إلى المسجد فتشبثت ام هانئ بثوبه، فقال لهاه: مالك؟ قالت: اخشى ان يكذّبك قومك ان أخرتهم: قال: وان كذّبوني. فخرج فجلس اليه أبو جهل، فاخبره رسول الله بحديث الاسراء، فقال أبو جهل: با معشر بني كعب بن لؤي، هلُم. فحدّيهم. فاستنكر القوم ذلك، فمن مصفق وواضع يده على رأسه تعجبا وانكارا. وارتد ناس من المسلمين. وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله عنه قال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أشهد لئن قال ذلك لقد صدق. قالوا: فتصدّقه في ان يأتى الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل ان يصبح؟ قال: نعم، انا أصدقه بأبعدَ من ذلك، اصدقه بخير السماء. فسُمّيَ الصدّيق. وكان منهم من سافر إلى بيت المقدس، فطلبوا اليه وصف بيت المقدس فوصفه لهم وصفا دقيقا، فقولوا أخبرْنا عن عِيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها واحوالها، وقال: تَقْدُم يوم كذا، فكان كما قال. وفي الليلة ذاتها كان العروج إلى السماء من بيت المقدس.
بيت المقدس بناه العرب الكنعانيون، واليبوسيون منهم، على جبل صهيون نحو سنة 2500 قبل الميلاد. وكلمة (صيهون) كنعانية أخذها اليهود وجعلوها شعاراً لهم. والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن ابارهيم واسماعيل عليهما السلام إلى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم. كما تربط من الاماكن المقدسة لديانات التوحيد، وتعيد الحق إلى أهله. والمقصود من هذه الرحلة العجيبة اعلان وراثة الرسول الاخير لمقسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه الرحلة العجيبة اعلان وراثة الرسول الاخير لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات واراتباط رسالته بها جميعا، فهي رحلة ترمز إلى ابعد من حدود الزمان والمكان، وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من ذلك.
كما أنها تتضمن معاني اكبر من المعاني القريبة التي تنكشف عنها النظرة الأولى. وهي آية من آيات الله، تفتح القلب على آفاق عجيبة في هذا الوجود، وتكشف عن الطاقات المخبوءة في كيان هذا المخلوق البشري، والاستعدادت الدينينة التي تيهيأ بها لاستقبال فيض القدرة في اشخاص المختارين من هذا الجنس الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه.
وفي هذه الآية الكريمة يدلنا الله تعالى إلى ان بيت المقدس والشام أجمع هي بلادنا وملك لنا فسارِعوا إلى اخذها. ولم تمض عشرون سنة حتى كانت في حوزة المسلمين وبقيت وستبقى إلى الأبد في أيديهم مهما كانت الغمّة القائمة.
ومهما جمعت اسرائيل من قوة واسلحة ودعمها الامريكان والانكليز وغيرها فانها سوف تزول، ولسنا نشك في ان دائرة السوء ستدور عليهم جميعا، ويذهب هذا الباطل، وينمحي ذلك في الزيف والكذب وتبقى القدس عربية مسلمة، وتبقى الصخرة المشرفة، ومسجد عمر {لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون} [الروم: 4].


الكتاب: التوراة وكيلا: كفيلا تكلون اليله اموركم.
وقد أعطينا موسى التوراة، وجعلنا فيها هدايةً لبني اسرائيل، وقلنا لهم لا تتخذوا غير الله إلهاً تفوّضون اليه أموركم، فانكم أبناء نبي كريم، هو ذلك العبد الشاكر، فاقتدوا به واستقيموا كما كان مستقيما، وكونوا شاكرين مثلَه ذاكرين كما كان.
قراءات:
قرأ أبو عمرو وحده: {الا يتخذوا} بالياء. والباقون بالتاء.


وقضينا: اخبرنا بالوحي. لتعلن: لتطغون. فجاسوا خلال الديار: دخلوها ووطئوها. رددنا لكم الكرة: اعطيناكم الغلبة. اكثر نفيرا: اكثر عدداً. وليتبروا ما علوا تتبيرا: وليهلكوا ويدمروا ما استولو عليه من بلادكم تدميرا. حصيرا: مكانا للكافرين.
بعد أن ذكر تعالى انه أكرم رسولَه محمداً عليه الصلاة والسلام بالإسراء من مكة إلى بيت المقدس- ذكر هنا ما أكرمه به موسى قبله من إعطائه التوراة، وجعلها هدى لبني اسرائيل، لكنهم أعرضوا عنها وليم يعملوا بهدْيها، بل أفسدوا في الأرض.
{وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً}.
فافسدوا واعلوا علوًّا كبيرا.
{فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً}.
كانت هذه الحملة الاولى من الملك البابلي نبوخذ نصر سنة 597 قبل الميلاد على مملكة يهوذا، فاستولى على القدس وسبى اليهود ومعهم ملكهم (يهوياكين) واهل بيته، واخذ جميع ما عندهم من اموال وذهب وكنوز.
ثم عاد نبوخذ نصر في حلمة ثانية سنة 586 قبل الميلاد يعين بعد احد عشر عاما واحتل القدس وخرجها واحرق الهيكل وسبى نحو 50 الف من اليهود.
وبقي اليهود في بابل إلى ان جاء كورش الاخميني سنة 539 قبل الميلاد فسمح لهم بالعودة إلى فلسطين، فعاد قسم وبقي عدد كبير في بابل ولم يعودوا لانهم استوطنوا واصبح لهم أملاك وتجارة، وحالوا بناء الهيكل، فاحتج السكان من غير اليهود والاقوام المجاورن من الحثيين والحوريين والعمونيين والأدوميين، ولم يتم بناء الهيكل، وبقي إلى ان احتل دارا الأول ملك الفرس البلاد فسمح لهم ببناء اليهيكل سنة 515 قبل الميلاد.
فاذا اعتبرنان هذه الفترة كلها هي الأولى، تكون هي المقصودة بقوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}
وتكون هذه الفترة تفرة استقرار. ثم جاء عهد اليونان حيث لاقوا اسوأ الحالات في عهد الملك السلوقي انطيوخس الرابع وذلك سنة 175 164 قبل الميلاد، إذا دمر الهيكل ونهب خزائنه واجبر اليهود على نبذ اليهودية واعتناق الوثنية اليونانية. وبقي الصراع بين اليهود يشتد حتى اندلعت ثورة المكابيين ودام عصرهم نحو قرن وربع، إلى ان جاء الرومان، وعين الملك هيرودس الأدومي فسمح لليهود باعدادة بناء الهيكل سنة 39 قبل الميلاد. وفي سنة 66 م. قامت ثورة عارمة شاملة من اليهود على الحكم الرماني، بعد سلسلة من المعارك سيطر تيطس الروماني على الموقف وتمكن من القضاء على اليهود سنة 70. واوقع فهيم مذبحة مريعة وخرب المدينة، واحرق الهيكل ومره نهائيا فأُزيل من الوجود بحيث لم يعد يهتدي الناس إلى موضعه، وسيق الايحاء عبيدا.
ويقول المسعودي ان عد القتلى من اليهود والمسيحيين بلغ ثلاثة ملا يين، فيكون هذا معنى قوله تعالى: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً}.
هذا محصل تاريخ اليهود في فلسطين والله اعلم.
فاذا تأملنا في الآيات الكريمة نجد النصَّ الصريحَ على أن بين اسرائيل إذا حكموا وسيطروا طغوا وبغوا وافسدوا في الأرض وعلَو كبيرا، واذا لم يحكموا افسدوا وسيطروا على المال، وهذا ما نراه اليوم من طغيانهم وبيغهم وتسلطهم في فلسطين. وهم في بقية انحاء العالم أيضا مفسِدون مسيطرون، يسيِّرون الحكام والزعماء على اهوائهم وحسب ما يريدون، وينشرون الفساد في كل ارجاء العالم، وسيظلون على هذا الحال ولا يمكن ان يغيروا من طباعهم وتعاليم دينهم المحرَّف. والله تعالى يقول: {عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً}.
فالمفوم أن اليهود عادوا وسيعودون إلى الإفساد ما دام لهم سيطرة، وفيهم بقية، فلهم جهنم تحصرهم فلا يفلت منهم احد، وتتسع لهم فلا يند عنها احد.
فالمفسرون على اختلاف طبقاتهم اعتبروا المرَّتين مضى زمانُهما، الاولى في عهد نبوخذ نصر والاخير في عهد تيطس الروماني حيث زال الهيكل وزال حكمهم.
وفي عصرنا هذا وبعد وجود كيان الهيود الجديد، كتب بعض المفكرين يقول: إن الفترة الثانية هي هذه بوجود دولة اسرائيل (ودار نقاشٌ طويل في الصحف، والمجالس، وشهدتُ بعض هذا النقاش في المغرب لما كنتُ هناك) وان الله سبعث عليهم من يدمرهم.
والواقع ان وجود اسرائيل تقوّى وتمركز بتفككنا نحن العرب والمسلمين، وبعدنا عن ديننا. ونحن الذين جعلناهم اقوياء بخلافاتنا، ومحاربة بعضنا. وواقعهم غير صحيح، ودولتهم تعتمد على شيئين امريكا تمدها بالمال والسلامح، وضعفنا انشقاقنا وخلافاتنا، فمتى وحّدنا كلمتنا وجمعنا صفوفنا وعزمنا على استراداد مقدساتنا فان اسرائيل تزول ولا يبقى لها وجود، والله تعالى: {إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 8].
قراءات:
قرأ حمزة وأبو بكر وابن عامر: {ليسوء} بالافراد، وقرأ الكسائي: {لنسوء} بالنون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8